اللغة والعصر- الفسحة الأدبية،الحلقة:03
تقديم
عندما انبري
الشيخ إبراهيم اليازجي للدفاع عن اللغة العربية والدعوة إلى النهوض بها آنذاك، لم
يكن يعلم أن واقع اللغة العربية الآن أي في الوقت الحاضر أكثر ترديًا وأقوى ضعفًا
مما كانت عليه في ذلك الوقت، لعلها اليوم في حاجة ماسة وأكثر من أي وقت مضى إلى من
يوقظ شعلتها وينفخ في موقد نارها كما فعل السلف الصالح لتشتعل من جديد.
تقصير اللغة عموما
لم يَبِِْقَ
في أَرْباب الأقلام ومنتجي صناعة الإنشاء، من هذه الأمة، من لم يشعر بما صارت إليه
اللغة، لعهدنا الحاضر، من التقصير بخدمة أهلها، والعُقْم بحاجات ذويها، حتى لقد
ضاقت معجماتها بمطالب الكُتَّاب والمعرِّبين، وأصبحت الكتابة في كثير من الأغراض
ضرْبًا من شاقِّ التَّكليف، وبابًا من أبواب العَنَتِ، واللغة لا تزداد إلا
ضَيْقًا باتِّساع مذاهب الحضارة وتشعب طرق التَفَنُّن في المخترعات والمُسْتَحْدَثات
إلى أن كادت تُنْبَذُ في زوايا الإهمال وتُلْحَقُ بما سبقها من لغات القرون
الخَوَالِ. ومَسَّت الضرورة إلى تدارك ما طرأ عليها من الثُّلَمِ قبل تمام
العَفَاءِ وقبل أن ينادي عليها مؤذن العصر، سبحان من تَفرَّد بالبقاء، ويُخْتَم
على مُعْجماتها بقصائد التَّأبين والرِّثاء.
تقصير اللغة في التعبير عن المسكن والأثاث
تلك هي اللغة
التي طالما وصفها الواصفون بأنَّها أَغْزر الألسنة مادةً، وأَوْسَعها تعبيرًا،
وأَبْعدها للأغراض متناولًا، وأَطْوَعَها للمعاني تَصْويرًا، وقد أَفْضَت اليوم
إلى حالٍ لو رام الكاتب فيها أن يصف حجرة منامه، لم يَكدْ يجد فيها ما يكفيه هذه
المؤونة اليَسِيرة، فضلًا عما وراء ذلك وصف قصور الملوك والكبراء، ومنازل
المُتْرَفِين والأغنياء، وشوارع المُدن الغَنَّاء، وما تم من آنية وأثاث وملبوس
ومفروش، وغير ذلك من أصناف الماعون وأدوات الزينة، مما لا يجد لشيء منه اسمًا في
هذه اللغة، ولا يكون حظ العربي من وصفه إلا العَيَّ والحَصَرَ، وطيَّ لسانه عن
معانٍ في قلبه، لا يتسنى له إبرازها بالنطق، ولا يجد سبيلًا إلى تمثيلها باللفظ،
كأن المقاطع التي يعبر بها عن هذه المشَخَّصات لم يُخْلَقْ لها موضعٌ بين فكَّيْهِ،
وليست مما يجري بين لِهَاتِه وشفَتَيْه، فعاد كالأَبْكَم يرى الأشياء ويميِّزها
ولا يستطيع أن يعبِّر عنها إلا بالإِشَارة، ولا يصفها إلا بالإِيمَاء.
الشيخ إبراهيم اليازجي ( البيان )
الشيخ
إبراهيم اليازجي (1847 – 1906 ): من ألمع علماء اللغة في العصر الحديث، وقد يكون
ألمعهم على الإطلاق، ولد ونشأ في بيروت يستقي من معين أبيه الشيخ ناصيف اليازجي
أصفى عصارة اللغة والأدب والعلوم، وكانت اللغة لعهده في حالة المريض المحتضر، وقد
فشت فيها الأخطاء والركاكة، فتجند اليازجي لخدمتها ونافح عنها وعن قومها العرب،
مبينا فضلها على اللغات وفضلهم على الأمم، وصلاحها للحياة وصلاحهم للحضارة والعلم،
في حجة لا تقرع، وبيان رائع، ما من دافع له إلا الحب الجم والغيرة الملتهبة، ولئن
تقدمت اللغة العربية في يوم من الأيام وسارت بخطى واسعة ، وتهذبت ألفاظها في
الكتابة، والصحافة، والخطابة، فالفضل الأكبر في ذلك لليازجي الذي هاجم الكتاب
والصحف مهاجمة عنيفة ووضع جما من الألفاظ المستحدثة، وبسط الدراسات العميقة في اللغة
والبيان، وملأ مجلاته ( الطبيب ) و ( البيان ) و (الضياء) نظريات تعالج الداء
وتقدم الدواء، وأبحاثا نقدية تقوم كل اعوجاج وتخط الطرق القويمة التي لا تعثر فيها .
وهكذا قضى
اليازجي حياته في خدمة اللغة، ناقدا، مصححا، مدرسا، واضعا للكتب ومنشئا للمقالات.
ومن أشهر مقالاته اللغوية (اللغة والعصر) التي بين فيها إمكانات اللغة العربية على
استيعاب جميع المدنيات بشرط أن يتقدم أبناؤها ويحسنوا استخراج ما في صدرها من
طاقة.
شرح المفردات
المفردات |
شرحها |
المفردات |
شرحها |
|
انتحل صناعة |
انتسب إليها |
العنت |
المشقة |
|
|
|
|||
العفاء |
الفناء |
أبن الميت |
أثنى عليه |
|
|
|
|||
الحصر |
العي في النطق |
|
||
|
||||
اللهاة |
اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى
سقف الفم |
ملحوظة : يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق