منهج الأعلام المسلمين في التربية والتعليم
الحلقة الثانية علال الفاسي 02
يأتي موضوع " منهج الأعلام المسلمين في التربية والتعليم " ضمن
سياق عام، نتناول من خلاله الحقبة المضيئة في تاريخ الأمة العربية والإسلامية في مختلف
المجالات وفي العديد من الميادين، وقد حظي مجال التربية والتعليم بدوره باهتمام
المفكرين والفلاسفة المسلمين والعرب، حيث كان لهم دور فعال في التنظير لهذا المجال
على كافة مستوياته، بل منهم من عمل في ميدان التعليم فاجتمعت له التجربة الميدانية
بالبعد النظري، فأبدع إبداعا منقطع النظير. وعلى
هذا الأساس تقرر أن نفرد لهذا المجال حيزا زمنيا مهما نتناول من خلاله عبر حلقات أفكار واتجاهات ومواقف عدد من المفكرين العرب
والمسلمين في مجال التربية والتعليم .
1- الفكر التربوي عند علال الفاسي:
من أهم المصادر التي تعكس الفكر التربوي عند علال الفاسي مؤلفه "
النقد الذاتي "، وعلى هذا الأساس لابد من الأخذ بعين الاعتبار الأفكار التي
أوردها علال بهذا الكتاب عند إبراز أهم خصائص النموذج التربوي لديه.
1-1- مرجعية النموذج التربوي:
ترتبط أهم متحكمات الفكر التربوي عند علال الفاسي
ارتباطا وثيقا بالمرجعية الدينية التي ينطلق منها، فهو لا يلتفت إلى الطروحات
العقلية إلا في حدود، وفي هذا الإطار يقول : " لقد
مضى على المسلمين حين من الدهر نسوا ما ذكروا به، وذهلوا عما يحتوي عليه دينهم من
هدى وإرشاد، واتبعوا ما تملي شياطين الاستعمار من آراء وتشريعات لا قبل لهم بها،
ولا امتناع لعقولهم بمغاريها، ولا تحتل من مجتمعهم شيئا، وإنما هي أنقاض الحضارات
متباينة مع حضارتهم، أرغموا على قبولها بالنار والحديد، وبالضغط الفكري الذي يتمثل
في هذه المدارس الأجنبية، والبرامج الأعجمية، وإن الاستعمار الغربي لم يحدث من
الخراب في الأرض وفي الأجسام ما أحدثه في العقول والقلوب، فقد أصبح المسلمون بما
تسرب إلى بواطنهم يجهلون أنفسهم، ولا يعرفون من حقيقة أمرهم شيئا، واختلفوا
باختلاف عدوهم فمنهم من يؤمن باليسار... فكانت عاقبتهم أن تسلطت عليهم هذه
الحكومات البوليسية في كل مكان تصليهم ظلما، ولا تآلوهم اضطهادا وهضما، فإن
انتبهوا وظنوا أنهم قادرون على أن يقاوموا الجور وينازلوا الطغيان جاءهم الفكر
الغربي بما يوجههم نحو طغيان آخر واضطهاد جديد، وسيبقون كذلك ما داموا ينشدون
العدل من غير الإسلام والإصلاح من غير القرآن... " .
1-2- الجانب العملي في النموذج :
تبلور الجانب العملي في الفكر التربوي عند
علال الفاسي من خلال مهنة الأستاذية التي مارسها بجامعة القرويين، وعلى الرغم من
أن الطابع السياسي لدى الرجل كان هو الطاغي على حياته فقد تمحور المنهج التربوي
لديه حول مجموعة من المبادئ الأساسية، وهي في معظمها المبادئ العامة التي رسمها
حزب الاستقلال في مطلع الاستقلال ومن أهمها: التعميم،
التعريب، الإجبارية،
المجانية... وقد نستشف ونحن نحاول قراءة الفكر
التربوي العلالي عناوين عريضة قد تقترب أو تبتعد شيئا ما عن المبادئ المذكورة من
أهمها ما يلي:
أ- إجبارية التعليم:
من أهم ما ميز المنهج التربوي والتعليمي
لدى علال الفاسي، هو ما ركز عليها الإصلاح التربوي في عهده . ويرى علال ضرورة
إعداد مشروع يتم التخطيط له مسبقا يخضع للإنجاز على مدى عشر سنوات لتحقيق ذلك.
" توزع فيها المملكة
الشريفة على عشر مناطق تعليمية بحسب عدد الأطفال الذين في السن المدرسي، بحيث لا
تقل كل منطقة عن مائتي ألف تلميذ، ثم نقوم بإجبار التعليم لتلاميذ منطقة واحدة في
كل سنة، وذلك ما يتطلب منها إنشاء أربعمائة مدرسة في كل عام. "
ب- البرامج
والمناهج :
يولي علال الفاسي أهمية كبرى للأهداف التربوية في أي نوع من
التعلمات، وينصح بتحديد أهداف المنهاج التعليمي، حتى يتحقق التركيز على المهم في
الدرس واجتناب ما دون ذلك تفاديا لحدوث نفور لدى المتعلمين من الإقبال على
التحصيل.
ج- لغة التعليم :
يؤكد علال على الاهتمام بالفصاحة والبلاغة وعدم الانصراف عن
اللغة العربية إلى الثقافات الغربية، وينبه إلى خطورة ذلك من خلال قوله: "وإذا كان هذا في
المشرق العربي فما ظنك بالحالة في المغرب العربي، حيث تدرس اللغة العربية بأساليب أبعد
ما تكون عن المناهج الصحيحة، وعلى معلمين جلهم لم يستكمل من الثقافة ما يؤهله
لأداء الواجب والقيام بالمهمة التعليمية الملقاة على عاتقه."
د- مهنة التعليم :
لا يرى علال الفاسي الرغبة في اعتناق مهنة التعليم والميل
إلى ممارسة التدريس كافيتين لاختيار المدرسين، بل بالإضافة إلى توافر الموهبة على
اعتبار أنها عنصر مرغوب فيه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار معايير أخرى ذات أهمية
في انتقاء المدرسين تتماشى وقواعد وأسرار وطرق تطبيق المهنة.
هـ- محو الأمية:
اهتم علال الفاسي بهذا الجانب اهتماما
ملحوظا، إذ لم يقم بتصنيف الأميين فقط بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين حدد البرنامج
العام الذي يمكن إعداده لهم، وفيما يلي تفصيل بذلك:
الصنف الأول: الأميون الذين لا يعرفون القراءة والكتابة.
الصنف الثاني: الأميون الذين لم يستكملوا دراستهم الابتدائية أو
الثانوية أو العالية.
أما البرنامج
فيقوم في نظره على تلقين " القراءة والكتابة والحساب والمقاييس والمكاييل والموازين
المعمول بها في البلاد وأصول الدين ومبادئه وقسطا من الثقافة العامة تعينه وزارة
المعارف بقرار خاص ".
أما تعليم صنف شبه الأميين فيعتمد فيه على استكمال التكوين
من خلال المحاضرات بالمدارس الحرة والعامة والنوادي والمساجد من خلال متطوعين
تتبناهم قطاعات حكومية معينة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire